التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"اقتصاد الانتباه" ومنتجات الموضة والشائعات





* مقال نشرته في 2010 

كتابة "السيرة الذاتية" للأفكار ليست بالمهمة السهلة، فهذه السيرة تحوي الإجابات عن أسباب انتشار موضة ما واضمحلال أخرى، وفيها أيضا كشف لأسرار تحول الكتب من قائمة المجهول إلى أفضل المبيعات، تحول هو أشبه بتحول الماء إلى بخار، والذي يعرف بنقطة الانقلاب. وحين الانغماس في كتابة السير الذاتية للأفكار، يتصدر هذه السيرة موضوع "الانتباه" الذي هو السلعة الأكثر ندرة في عالمنا المعاصر، والتي تشكل عين الإعصار في فوضى الحواس التي نعيشها حاليا، فعين الإعصار هي تلك النقطة الساكنة في المنتصف والمنعزلة عن النشاط المحموم الذي يعصف بالأشياء حولهافي غمرة هذا كله، يقدم هذا الموضوع أهم النقاط التي تشكل الظواهر والشائعات في حياتنا، ما يرتبط ارتباطا وثيقا بالانتباه الذي هو عنق الزجاجة في استقبالنا لكل ما يدور حولنا

"أخبرني صديق عن رجل سافر لبلد أجنبي في رحلة عمل، ذات مساء توقف في مطعم لتناول شيء ما، أثناء جلوسه تقدمت ناحيته امرأة غاية في الجمال وعرضت عليه مشاركته الطعام، غمر الرجل شعور بالإطراء والسعادة لطلب هذه المرأة الجميلة مشاركته طعامه. بعدها عرضت المرأة على الرجل مشروبا لم يتردد في قبوله، ليكون ذلك آخر شيء يتذكره حتى استيقظ في حوض في أحد حمامات الفنادق وجسده مغمور في الثلج، بدأ الرجل بالتلفت حوله في حالة من الهلع ليجد هاتفا وضعت عليه ورقة صغيرة تطلب منه عدم الحركة والاتصال بالطوارئ، مد يديه المرتعشتين من برودة الثلج للهاتف واتصل بعامل الطوارئ الذي لم يكن مندهشا، بل على العكس كان متوقعا تماما لما يحدث، أخبره عامل الهاتف بكل هدوء "سيدي، هلا حاولت أن تمد يدك بكل حذر لظهرك وتتحسس أي أنبوب؟" وبالفعل تلمس الظهر ظهره ليجد أنبوبا يخرج من ظهره. عندها قال عامل الطوارئ "لا داعي للهلع، ولكن تمت سرقة إحدى كليتيك من قبل عصابة في المدينة، سيارة الإسعاف في طريقها إليك لهذا حاول أن لا تتحرك". هذه القصة كما يسردها كتاب "صُنع ليبقى" “Made to Stick” هي واحدة من القصص التي تقاوم كل عوامل النسيان، والتي سرعان ما سيحكيها القارئ للآخرين بغض النظر عن صدقها من عدمه، ولكن شيئا ما يبدو مثيرا حول هذه القصة لدرجة يدفعها للالتصاق عميقا في ذاكرتنا، فهل تولد الأفكار والشائعات بموهبة طبيعية للالتصاق في ذاكرتنا؟ أم أنه شيء وسرٌ آخر يجعلها تصمد أمام كل عوامل النسيان؟ وكيف تبقى هذه الأشياء في حين ننسى الكم الهائل من المعلومات التي نستلمها يوميا؟ هذه الأسئلة هي ذاتها ما يحاول كتاب "صُنع ليبقى" الإجابة عنها جنبا إلى جنب مع الكتب الأخرى التي نعرض لها تباعا في هذا الموضوع

عناصر الإشاعات الثلاثة
تبدأ السيرة الذاتية بحسب كتاب "نقطة الانقلاب" "The Tipping Point" للكاتب "مالكولم جلادويل" بما يسمى بقانون الأقلية، فبرغم رقة الماء إلا أن القطرة بعد القطرة تنحت قلب الحجر الصارم، ولإثبات هذا يسوق الكاتب مثالا من الورقة النحيفة، فعند ثني ورقة كبيرة حول المنتصف يتضاعف سمكها بمقدار بسيط جدا، ولكن عند تكرار هذه العملية لخمسين مرة كم سيبلغ سمكها؟ الأغلبية تظن أن أقصى سمك سيكون لنصف متر أو ربما يقول بعض المبالغين لنصف كيلومتر، ولكن الإجابة الصحيحة أن سمكها يساوي المسافة بين الأرض والشمس. عدم قدرة الأغلبية على استيعاب قانون الأقلية أو ما يعرف رياضيا بالمتتابعات الحسابية هو أحد أسباب فشلنا في البدء في كتابة السيرة الذاتية لفكرة ما. وعند الحديث عن مدلول لهذا في مجتمعاتنا البشرية فإن الاقتصاديين يتحدثون عادة عن مبدء 80/20، والذي يدور حول فكرة أن 80% من العمل دائما يتم تنفيذه من 20% من المشاركين، بمعنى أنه في أغلب المجتمعات فإن 20% من المجرمين يقومون بـ80% من الجرائم، و20% من الأشخاص المدعوين يلتهمون 80% من الطعام, وكذلك الحال بالنسبة للأفكار، فالأقلية من الأفراد تمتلك القدرة على  نشر أكثر الأفكار
إضافة لهذا القانون، فإن عنصر الالتصاق "Stickiness Factor" وقوة النص "Power of Context" تشكل العناصر الثلاثة لكتابة السيرة الذاتية للأفكار. بدءا بقانون الأقلية فإن مالكولم جلادويل يقسم الأشخاص إلى موصلين والخبراء وبائعي البضائع، وتدر هذه الشخصيات حول قانون الست درجات, وتعود فكرة هذا القانون لعالم النفس ستانلي ميلجرام الذي أجرى تجربة تعود للستينات من القرن المنصرم، حيث أرسل طرودا بريدية لحوالي 160 شخصا يعيشون في منطقة ما، وطلب منهم إيصاله إلى رجل يسكن في مدينة أخرى تقع في الطرف الآخر من البلد عن طريق إرساله لصديق أو قريب يعرف ذلك الرجل ليسمله باليد، أو على الأقل إرساله لمن يعتقد أنه ربما يعرف ذلك الرجل، واكتشف أن الطرد البريدي غالبا ما يصل عبر سلسلة من ستة أشخاص، ومن هنا أتى قانون الست درجات والذي يفترض أنه بالإمكان الوصول إلى أي شخص عبر سلسلة من المعارف تمتد لستة أشخاص فقط. والغريب في التجربة السابقة أن غالبية الطرود وصلت لوجهتها عبر تاجر يعرف العديد من الأشخاص، وهذا هو الأساس الذي يقترن بقانون الأقلية ليشكل الوقود الذي يحرك الموضة عبر الدعاية الشفهية "Word of Mouth" والتي هي أكثر الوسائل قوة وانتشارا حتى يومنا هذا
الموصّلين "Connectors" هم الأشخاص الذين يمتلكون قائمة تطول من المعارف، أما الخبراء "Mavens" فهم أولئك الذي يمتلكون معلومات دقيقة ومفصلة حول البضائع والأشياء، كأحد أصحابك الذي يعرفون أدق التفاصيل حول السيارات والمستعدين لمشاركة الآخرين في خبراتهم ودون أدنى مقابل، لهذا يحرص أغلبنا على استشارتهم قبل شراء شيء ما، ويحرص كذلك أغلبنا على أخذ توصياتهم، فحين يمدحون مطعما ما فإننا في الغالب سنحرص على تجربته لأننا نثق فيهم. والفرق بين هؤلاء وبين الباعة أنهم لا يحاولون إقناعك بتجربة أو شراء منتج ما، بينما يستجمع الباعة كل وسائل الإقناع في سبيل تسويق منتجاتهم. ولكن السؤال الأخطر في هذا كله هو السر الذي يجعل شيئا ما أكثر إقناعا من الآخر؟
يسرد الكتاب في سبيل هذا العديد من الأمثلة، وأهمها البرنامج الشهير شارع السمسم "Sesame Street" ويتناول تاريخ هذا البرنامج الذي استطاع دمج التعليم بالترفيه وأخذ بأدق التفاصيل عبر جيش من المختصين ليتمكن من المحافظة على النجاح منذ الستينات ولأكثر من 4000 حلقة. ويبين الجهد والنجاح الضخم لهذا البرنامج أن التفاصيل الثانوية هي ما يصنع الفارق في حياتنا وقد يكون المفتاح لتغيير قناعاتنا. وهذا ما يدفع للانتقال من الحديث عن الرسول نفسه للتطرق للرسالة نفسها.

قانون الالتصاق 
الرسول هو من ينشر الإشاعة ويبدأ موضة ما، ولكن محتوى الرسالة هو ما يحدد مدى النجاح، وأهم محتوى هو جودة الالتصاق "Stickiness". وبداية القصة بحسب كتاب "اقتصاد الانتباه" " The Attention Economy" تعود للاقتصادي الفائز بجائز نوبل هربرت سايمون حين تحدث في بداية السبعينات وقبل طفرة الإنترنت بأنه " في عصر الثراء المعرفي فإن التضخم المعرفي لا بد أن يقابله ندرة في شيء ما، هذه الندرة ستكون في الشيء الذي تستهلكه المعلومات. وما تستهلكه المعلومات بديهي، تستهلك انتباه المستقبلين"، فالنتيجة الطبيعية إذاً لهذا الكم الضخم من المعلومات هو الانتباه. المستهلك الأمريكي مثلا بحسب إحدى مراكز الدراسات يستقبل حوالي 254 رسالة دعائية كل يوم، كل هذه الرسائل تحاول الحصول على شيء واحد هو "الانتباه"، وقد وصل الأمر بكل الرسائل الدعائية إلى محاولة الحصول على أقل فسحة انتباه بيئية "Environmental Attention Gaps" ككرسي في قاعة انتظار في المطار أو حين الوقوف في صف لدفع فاتورة ما، فإن الفسحة تلك لم تسلم من السباق المحموم للحصول على الانتباه. وفي هذا السبيل يتناول كتاب "اقتصاد الانتباه" مواضيع تقنيات الانتباه، الحصول على الانتباه، تركيبة الانتباه وتقنيات حماية الانتباه. كل هذا دفع الباحثين لتطوير ما يدعونه بمفهوم عنق الزجاجة "Bottleneck" في قدرتنا على التركيز على المعلومات أو ما يسمى بالانتباه، فعنق الزجاجة يتيح لنا قدرة محدودة لاستقبال معلومة بوعي في أي لحظة ما، وهذا يخلق أيضا وظيفة يسميها علماء النفس تأثير هكز "Hicks Effect" نسبة لمكتشفها، والتي تتلخص في أن أن عنق الزجاجة يؤخر المعلومة التالية لمدة محدودة ريثما يتم معالجة المعلومة الأولى، ولهذا حين تتابع المعلومات بشكل سريع فإن العقل يفشل في منح الاهتمام الكافي لأي معلومة أو معالجتها في مستوى الوعي، ولهذا تثبت الدراسات أنه عند عرض أربع دعايات تلفزيونية لمدة 15 ثانية في فاصل إعلاني لمدة دقيقتين ونصف فإن فرص أي إعلان من 15 ثانية للحصول على الانتباه لا تتعدى الصفر. والجدير بالذكر أن أغلب الدراسات تعتمد على حقيقة أن العين يستحيل أن تركز على أكثر من منطقة في نفس الوقت، لهذا يستحيل النظر إلى كلمة في نصف السطر وقراءة الخمس كلمات التي تسبقها والتي تليها دون تحريك العين، ولهذا تم تطوير أجهزة قياس الانتباه على هذا الأساس، ومن ثم يتم إجراء الاستبانات وطرح الأسئلة التي تؤكد وتعزز نتائج الدراسات
ويشكل الانتباه الحجر الأساس في نظام التسويق AIDA حيث الانتباه "Attention" هو البداية، ومن ثم يأتي الاهتمام "Interest" وذلك عبر التأكيد على مميزات المنتج، ويتبع الاهتمام الرغبة من المستهلك لاقتناء المنتج "Desire" وأخيرا لا بد من الفعل "Action" وذلك بشراء أو اقتناء المنتج.
ويطرح كتاب "نقطة الانقلاب" عرضا تفصيليا لبرنامج شارع السمسم ليخلص إلى نتيجة مفادها أن الاعتقاد السائد بأن التصاق الأفكار يقترن بجودتها فقط، وهو اعتقاد يراه الكتاب خاطئا لأن الدراسات تثبت أن التغيير الهامشي في طريقة العرض طالما قادت لتغييرات هائلة
فكما أن قانون الأقلية يتكلم عن الأشخاص القليليين الذين لهم القدرة على بدء الشائعات والموضة، فإن قانون الالتصاق يحدد بأن هناك طريق بسيط في ظل الظروف الصحيحة يمكن أن يجعل هذه الأفكار أو الشائعات قوية ومغرية وكل ما علينا فعله هو ملاحظتها

قوة النص 
عادة ما تكون الأفكار حساسة جدا للسياق أو النص الذي يتم تقديمها فيه، وإحدى أهم الأمثلة هي نظرية النافذة المكسورة لعالمي الجريمة جيمس ولسون وجورج كيلنج، وتحدد النظرية أن الجريمة هي النتيجة الحتمية للفوضى، فوجود نافذة مكسورة وعدم إصلاحها يجعل الناس يستنتجون أن الآخرين لا يكترثون وبأنه لا يوجد سلطة، ولهذا سرعان ما سيتم كسر نافذة أخرى في المبنى وستنتقل العدوى للمباني الأخرى وسرعان ما ستعم الفوضى، لأن الرسالة الواضحة للعيان أن كل شيء مقبول. وكذلك فإن العكس صحيح، فالاهتمام بهذه التفاصيل التي تشكل السياق يمكن أن تكون له نتيجة عكسية، وهذا ما أثبته تطبيق هذه النظرية في نيويورك التي كانت الجريمة فيها تبلغ حوالي 2000 جريمة قتل و600000 جناية خطيرة كل عام خلال الثمانينات ليهبط الرقم إلى 20000 جناية في عقد واحد بعد تطبيق النطرية، وبهذا تثبت نظرية النافذة المكسورة وقوة السياق أن المجرم ليس شخصا في معزل عن بيئته ولكنه حساس جدا لما حوله من متغيرات، وعموما فإن الإنسان مخلوق تشكل البيئة جزءا كبيرا من وظائفه الاجتماعية. ولهذا، فإن الجدل الذي يتحدث عن الجريمة كنتيجة للظلم الاجتماعي وسوء التعليم والتوزيع غير العادل للثروات وجميع أنواع التمييز الأخرى ولهذا لا بد من معالجة الجذور لعلاج ظاهرة الإجرام، هذا الجدل يصطدم بنظرية النافذة المكسورة التي تجعل قوة السياق هي القوة العليا والمسيرة للنظام الاجتماعي كما يذكر كتاب نقطة الانقلاب، بل ويعزز هذا بادعاءه أن الطفل الذي يسكن في عائلة مضطربة ومجتمع هادئ يكون أداؤه أفضل بكثير من طفل يسكن مجتمعا مضطربا وأسرة هادئة بحسب الدراسات، كل هذا بسبب قوة السياق. بعبارة أخرى فإن قوة السياق تثبت أنه بمقدار صحة أن الإحساس بالسعادة يجعلنا نبتسم، فإن العكس كذلك صحيح، فعند محاولة الابتسام سنحس تلقائيا بالسعادة دون الحاجة للدخول عميقا في أسباب وموجبات السعادة، ولهذا فإن قوة السياق في نظرية النافذة المكسورة تثبت أنه بالإمكان التقليل من مستويات الجريمة لحد كبير جدا ودون الحاجة لمعالجة الجذور، صحيح أن هذه الجذور تبقى عوامل مؤثرة ولكن قوة السياق هي المسيطر الأكبر بحسب الكتاب. وعند ملاحظة قوة السياق سنلاحظ أنه في أحايين كثيرة فإن ما يقنع الآخرين ليس الفكرة ذاتها بل هو السياق الذي نسوّق للفكرة من خلاله
وأخيرا، فإن العصر القادم سيكون عصر أزمة في إدارة الانتباه، وعلينا إدراك أهمية توزيع انتباهنا للأشياء من حولنا، وبحسب كتاب "اقتصاد الانتباه" فإن التقنية التي هي سبب المشكلة  فشلت وستفشل في المدى القريب في أن تكون حلا لمشكلة تنقية الانتباه ومعرفة المهم من غير المهم بالنسبة لنا، وسنظل بحاجة للتضحية بجزء من وقتنا في سبيل تصنيف الرسائل من حولنا والتخلص من غير المغروب فيها. ومن الناحية الأخرى ستزداد الرسائل الإعلانية والتسويقية شراسة في محاولة الحصول على انتباهنا ومعها سيتم ابتكار تقنيات جديدة لاقتناص هذا الانتباه، فهل نعي أهمية إدارة الانتباه؟ وما هو مستقبل صناعة الانتباه Attention Industry” ؟ كل هذا وأكثر تحاول مختلف الكتب التي تناولها الموضوع التنبه له، في حين أن المشهد لا يزال في أوله تظل أذهاننا تنتقل بين محطات الحضور والغياب لما يدور حولنا.  


المصادر

1- "The Tipping Point, How little things can make a big difference" by Malcolm Gladwell, 2000 .
2- "The Attention Economy, Understanding the new currency of business" by Thomas H. Davenport & John C. Beck, 2001, Harvard Business School Press.
3- "Made to stick, Why some ideas take hold and others come unstuck", by Chip and Dan Heath, 2007, Random House Books.
4- Wikipedia, www.wikipedia.org, 2001.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوميديا دانتية و"لمبو" برائحة الكذب

* مقال نشرته 2005 صدرت للمرة الأولى الترجمة العربية الشعرية الكاملة لكتاب الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالي دانتي الليغييري عن منشورات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" في باريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ونفذ الترجمة الشاعر والناقد العراقي-الفرنسي الجنسية- كاظم جهاد عن النص الأصلي الإيطالي وعن العديد من الترجمات الفرنسية لنص الكوميديا الإلهية المؤلف من 14233 بيتا شعريا موزعا على مقاطع ثلاثية ومجموعة في 100 نشيد قسمت إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم والمطهر والجنة. وألحقت الترجمة بمئات الحواشي والشروح، كما ضمت مقدمة طويلة للمترجم تعتبر دراسة مستقلة بحد ذاتها.ويشدد كاظم جهاد في مقدمته على أن العالم العربي والإسلامي ليسا غريبين على الكوميديا الإلهية حتى وإن كان دانتي ينتمي للديانة المسيحية. ويشير إلى أنه كثيرا ما جرى ذكر التأثير العربي في الكوميديا الإلهية كما ينقل عن المؤرخين ذكرهم تردد دانتي على حلقة دراسات لتلامذة الفيلسوف ابن رشد. ويتجه أليكسي جورافسكي في كتابه (الإسلام والمسيحية) للحديث عن تأثير الإسلام في أوروبا ف

أدبيات التغيير ... ثنائية العربة والحصان

* مقال نشرته في يونيو ٢٠٠٥ الحديث عن التغيير أحيانا كثيرة لا يكون سوى تغييرا للحديث، لأننا تعودنا الرتابة في حياتنا وفي أشياء كثيرة مما نفعل، ترانا أحيانا ما نلجأ للحديث عن التغيير وضرورته وآلياته واستراتيجياته دون أن نتغير نحن، بل ونستمر في الحديث دون أن يتغير أي شيء .  تغص مجتمعاتنا على امتداد أيام وحقب بالكثير من الحديث والشعارات حول ضرورة التغيير وحول الوعود ثم الوعود بالتغيير، وحين تغص حناجر البسطاء بكل سفاسف الكلام، وحين تصل المجتمعات حدّ التخمة، تبدأ شرارات الانفجار بالاشتعال، وبذور الثورة بالنمو لنفرغ عبرها كل أحلام التغيير ونصب عبرها كل حمم السخط من الواقع الرتيب والمعاش، بكثير من اللاوعي بل وقد يجذبنا التيار نحو مراسي الشوفينية لنبدأ بالانغلاق والانكفاء على الذات من جديد، لتبدأ بعدها عوامل الهرم والتكلس الفكري بفرض رتابة جديدة، وهكذا تبدأ الدورة لتعود من جديد .  تصاحب عادة حركات التغيير جرعة من الأدبيات التي تجيء متوائمة مع كل الوعود بالتغيير بل وتدفع بالناس للحلم بما هو أبعد من ذلك، في علاقة هي أشبه بعلاقة العربة والحصان، فكثيرا ما تجد الثورة حصانا جامحا يجر من وراءه كل

هكذا قرأت أمريكا

* كتبت هذا المقال في مارس ٢٠٠٥ وقد لا اتفق مع بعض تفاصيله الآن لكن أورده كما هو ....  حين قررت الذهاب في دورة مكثفة لدراسة ما يسمى ( بأمريكا ) لم أكن أعرف نهاية الطريق في هذه الرحلة ، و حاولت جاهدا و أنا أسمح لمركبي أن يمشي مع التيار أحيانا أن لا أفقد الاحساس بالاتجهاهات ، و حين أدعي أني كالبوصلة المفتوحة على جميع الاتجهاهات فهذا يعني أن عقلي معطل ، فالبوصلة التي تشير لكل الاتجهات بوصلة معطلة . هي محاولة للقراءة في شيء معقد و فعل القراءة هو أسمى فعل بشري .  ( اقرأ ) ، كانت أول كلمة تفوه بها الوحي و ظلت ترن في أطراف الجزيرة العربية منذ قيلت لليوم، و سبحان الله فكأنما كانت أول كلمة يتنزل بها الوحي تعطي مفاتيح الدنيا لمن يفتح قلبه و عقله لها . فمن لا يقرأ ليس حيا في هذه الدنيا ، و من لا يقرأ ليس مسلما حتى ، و كيف يكون مسلما وهو يعصي الله ( عز و جل ) في أول أمر يبلغه نبيه ؟ ثم ألا يستوعب الإنسان مقام هذا الأمر الإلهي حتى يستفتح به الله كلامه في أعظم معجزة و لأعظم بشر عرفه التأريخ ؟ و من هو في عظمة محمد ( ص ) يسشترف مسيرة النبوة الخاتمة باستقبال أول تكليف من رب العزة ( بالقراءة ) ، و