التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وجه البحرين الحضاري ... نظرة بصرية




كثيرا ما كنا مأخوذين بذلك الامتداد البصري الذي يبحر بأعيننا في آثار الحضارات المتعاقبة والتي كانت تمتلك –بدرجات متفاوتة- وعيا بالثقافة البصرية ودورها المحوري في رصد وتخليد الحضارة. وفي الوجه الآخر لهذا، وجه الإبداع التقني، فإننا لا زلنا نحاول أن نفك طلاسم الجزء التقني من هذه الامتدادات البصرية
عموما، فإن أحدا في مملكة البحرين يبدو بالكاد مهتما بالوجه الثقافي الذي ستشكله الصورة مع الامتداد العمراني الصارخ في البحرين. ويبدو أن الرأي الأكاديمي الذي يقف على المسألة إما أن يكون مع، وبالتالي يلقى الترحاب، أو ضد وبالتالي فليس هناك مكان للنقد أيا كان نوعه. رغم أن غياب –ما يسمى- بوزارة التخطيط يبرز حاجة ملحة لدراسات معمارية أو ثقافية اجتماعية تبرز الوجه المخفي لثقافة الصورة وانعكاساتها على المجتمع
ربما يبدو مجرد الحديث عن هذا الموضوع ضربا من تحميل الأمور ما لا تحتمل، ولكن أذكر على سبيل الشاهد رأيا معماريا لأحد المستشارين يذكر فيه تغير طابع قرية بأكملها بسبب شارع رئيسي بترها لجزئين، ويتحدث كذلك عن كل ما لحق هذا من تغير اجتماعي وثقافي. ولهذا فللمرأ أن يتخيل مقدار ما سيلحق تغير صورة المكان وتشريح المكان نفسه
برأيي أن المشتغلين على ثقافة الصورة، والذين يستطيعون قراءة الكلمات التي تكتمها المباني وتصنيف وجوه الأبنية على خارطة الانتماءات الفلسفية بين حداثي وما بعد حداثي وآخر عقلاني، ورابع تفكيكي وهلمّ جرّا. يجب أن يكون لهم اشتغالهم الذي يستطيع أن يقرأ الأشياء الأخرى التي ستصاحب كل هذا السباق العمراني المحموم
فإذا أقصينا كل نقد وحتى لو كان أكاديميا متخصصا، وحتى لو علمنا بصحته، فإننا على الأقل يجب أن لا نغفل هذا الوجه الآخر، إذا ما أردنا أن نحدد من الآن الطابع البصري الذي نريد أن نرسم البحرين به، وكذلك إذا ما أردنا أن نقرأ ما سيكون عليه التغيير الاجتماعي. فعلى الأقل، هنالك دائما ما يسكن في ظلال الأبنية مما لا يجب تجاهله أو عدم الالتفات إليه خصوصا حين تمتد الأبنية بعيدا وتمتد الظلال أبعد.   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوميديا دانتية و"لمبو" برائحة الكذب

* مقال نشرته 2005 صدرت للمرة الأولى الترجمة العربية الشعرية الكاملة لكتاب الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالي دانتي الليغييري عن منشورات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" في باريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ونفذ الترجمة الشاعر والناقد العراقي-الفرنسي الجنسية- كاظم جهاد عن النص الأصلي الإيطالي وعن العديد من الترجمات الفرنسية لنص الكوميديا الإلهية المؤلف من 14233 بيتا شعريا موزعا على مقاطع ثلاثية ومجموعة في 100 نشيد قسمت إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم والمطهر والجنة. وألحقت الترجمة بمئات الحواشي والشروح، كما ضمت مقدمة طويلة للمترجم تعتبر دراسة مستقلة بحد ذاتها.ويشدد كاظم جهاد في مقدمته على أن العالم العربي والإسلامي ليسا غريبين على الكوميديا الإلهية حتى وإن كان دانتي ينتمي للديانة المسيحية. ويشير إلى أنه كثيرا ما جرى ذكر التأثير العربي في الكوميديا الإلهية كما ينقل عن المؤرخين ذكرهم تردد دانتي على حلقة دراسات لتلامذة الفيلسوف ابن رشد. ويتجه أليكسي جورافسكي في كتابه (الإسلام والمسيحية) للحديث عن تأثير الإسلام في أوروبا ف

أدبيات التغيير ... ثنائية العربة والحصان

* مقال نشرته في يونيو ٢٠٠٥ الحديث عن التغيير أحيانا كثيرة لا يكون سوى تغييرا للحديث، لأننا تعودنا الرتابة في حياتنا وفي أشياء كثيرة مما نفعل، ترانا أحيانا ما نلجأ للحديث عن التغيير وضرورته وآلياته واستراتيجياته دون أن نتغير نحن، بل ونستمر في الحديث دون أن يتغير أي شيء .  تغص مجتمعاتنا على امتداد أيام وحقب بالكثير من الحديث والشعارات حول ضرورة التغيير وحول الوعود ثم الوعود بالتغيير، وحين تغص حناجر البسطاء بكل سفاسف الكلام، وحين تصل المجتمعات حدّ التخمة، تبدأ شرارات الانفجار بالاشتعال، وبذور الثورة بالنمو لنفرغ عبرها كل أحلام التغيير ونصب عبرها كل حمم السخط من الواقع الرتيب والمعاش، بكثير من اللاوعي بل وقد يجذبنا التيار نحو مراسي الشوفينية لنبدأ بالانغلاق والانكفاء على الذات من جديد، لتبدأ بعدها عوامل الهرم والتكلس الفكري بفرض رتابة جديدة، وهكذا تبدأ الدورة لتعود من جديد .  تصاحب عادة حركات التغيير جرعة من الأدبيات التي تجيء متوائمة مع كل الوعود بالتغيير بل وتدفع بالناس للحلم بما هو أبعد من ذلك، في علاقة هي أشبه بعلاقة العربة والحصان، فكثيرا ما تجد الثورة حصانا جامحا يجر من وراءه كل

هكذا قرأت أمريكا

* كتبت هذا المقال في مارس ٢٠٠٥ وقد لا اتفق مع بعض تفاصيله الآن لكن أورده كما هو ....  حين قررت الذهاب في دورة مكثفة لدراسة ما يسمى ( بأمريكا ) لم أكن أعرف نهاية الطريق في هذه الرحلة ، و حاولت جاهدا و أنا أسمح لمركبي أن يمشي مع التيار أحيانا أن لا أفقد الاحساس بالاتجهاهات ، و حين أدعي أني كالبوصلة المفتوحة على جميع الاتجهاهات فهذا يعني أن عقلي معطل ، فالبوصلة التي تشير لكل الاتجهات بوصلة معطلة . هي محاولة للقراءة في شيء معقد و فعل القراءة هو أسمى فعل بشري .  ( اقرأ ) ، كانت أول كلمة تفوه بها الوحي و ظلت ترن في أطراف الجزيرة العربية منذ قيلت لليوم، و سبحان الله فكأنما كانت أول كلمة يتنزل بها الوحي تعطي مفاتيح الدنيا لمن يفتح قلبه و عقله لها . فمن لا يقرأ ليس حيا في هذه الدنيا ، و من لا يقرأ ليس مسلما حتى ، و كيف يكون مسلما وهو يعصي الله ( عز و جل ) في أول أمر يبلغه نبيه ؟ ثم ألا يستوعب الإنسان مقام هذا الأمر الإلهي حتى يستفتح به الله كلامه في أعظم معجزة و لأعظم بشر عرفه التأريخ ؟ و من هو في عظمة محمد ( ص ) يسشترف مسيرة النبوة الخاتمة باستقبال أول تكليف من رب العزة ( بالقراءة ) ، و