"أنت تُطلق الرصاصة، ثم يأخذها الرب المتعالي في السماوات إلى حيث يُريد"، هكذا يختصر أندي غارسيا مشهد الحرب المكسيكية في حرب المتديّنين "لا كريتيادا" بين 1926 والعام 1929. فيلم "لمزيد من المجد" أو "For Greater Glory" يتحدث عن هذه الحقبة، وهو ليس قصة أسطورية أو فيلم أشكن بقدر ما هو سرد لقصة حقيقة لمجتمع متديّن يواجه طاغيةً ملحدا وماسونيا. ففي العام 1917 قام الرئيس المكسيكي كاليس بفرض دستور من طرفٍ واحد على شعبه، وهو الدستور الأول من نوعه في العالم الذي يحدد الحقوق المدنية، وحتى الدستور الروسي لم يولد إلا بعد عامين منه مستلهماً منه. والمفترض أن إنجازاً كهذا يشكل افتخاراً لا حفرة تخرج منها عفاريت الحرب، فأين كانت المشكلة؟
المشكلة أن الدستور تم فرضه من جانب واحد، وجاء مخالفا لعقيدة الشعب المكسيكي بأجمعه، فالرئيس كاليس لم يستطع تحمل نقد رجال الدين له، فوضع مواد دستورية تسمح له بشن حرب شمولية على كل ما هو ديني أو يقرُب للدين ولو من بعيد. مواد الدستور المنحة، سمحت له باعتقال وتعذيب وقتل من يشاء، وكانت الجثث تعلق على الأعمدة في كل نواحي المكسيك، والهدف الأسمى كما أراد كاليس هو أن "لا يسمع الإنسان كلمة البابا في روما، ولا حتى كلمة الرب المتعالي في السماوات"، وكل من يفعل ذلك عميل خائن. هذا كله تم تقنينه بقانون "كاليس" في العام 1926 حيث تم تحديد العقوبات القاسية ضد المتدينين، وفي هذا العام خرجت عفاريت الحرب الطاحنة.
"عملاء لقوى أجنبية تعادي مصالح المكسيك، وخونة يريدون زعزعة الأمن والاستقرار"، هكذا وصفهم كاليس في خطاباته، ونفس الصفات استخدمها المحافظون الأمريكان ضد المناهضين للحرب الفيتنامية في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، ونفس الألفاظ ما زالت تستخدم حتى يومنا،فالفيلم يخبرنا أن التاريخ صيرورة دائمة يتغير شخوصها ولا تختلف ماهيتها!طبعا، كل هذا جاء مدعوما بمواد دستورية وقوانين تجعل من الكاثولوكية جريمة لا تُغتفر.
حرب الحكومة المكسيكية ضد الحرية عموما، وحرية الأديان خصوصا قابلها الشعب المكسيكي بالاحتجاجات والعصيان المدني، وأخيرا بحرب استمرت ثلاث سنوات، لم تنته إلا بالتدخل الأمريكي الذي أراد ضمان امتيازاته النفطية، وحتى مع انتهاء الحرب لم تتغير سياسات التمييز ضد المتدينين.قانون "كاليس" كان يفرض عقوبة الحبس خمس سنوات على أي متدين ينتقد الحكومة، وبموجب القانون تم طرد القساوسة والرهبان الأجانب، لأنهم عملاء لروما، هذا بالإضافة لغرامات ثقيلة في حق من يخرج عن "القانون".
القمع والاضطهاد "القانوني" ضد ثورة المتدينين تم رسمه بكل معالمهوتفاصيله الحقيقية في هذا الفيلم، فليس هناك خيال أو وهم منطقي، ولأن التاريخ يعيد نفسه فينا ويتلبسنا بنفس التفاصيل. سنن التاريخ لا تتبدل ولا تتحول، تبقى كما هي، لهذا لم يُتعب مخرج الفيلم نفسه برسم الخاتمة،صحيح أن مشهد موت جنرال المقاومة، الذي كان ملحداً ولكن الحرب جعلت منه متديّناً، كان هو المشهد الأخير في الفيلم، لكن ثمة حياة خرجت من تحت عباءة الموت حينها تخبرنا أن الحياة في موتنا قاهرين، وأن الموت في حياتنا مقهورين.
تعليقات