التخطي إلى المحتوى الرئيسي

انستغرام وبس!

 

التصوير للمبدعين نحتٌ في الضوء، وللناس اقتناص لثواني الزمن العابرة، وربما تحايل البعض بصورة على النسيان فخبأ اللحظات عميقا في الذاكرة بصورة مُبَروَزة تعيده لجوها وزمنها كل مرة نظر إليها. هكذا كنا، وهكذا كان التصوير لعقود، حتى بُعث فينا "الانستغرام، فأصبح التصوير هوساً وموضة، وأصبحت الصور أشبه بالعبث، ما يدل على وجود خلل ما في مجتمعنا.

تخيّل أن تطلب طبق طعامٍ، وبعد طول انتظار يُطلب منك رفع اليد لأن زوجتك تحتاج لعشر دقائق لجلسة التصوير، وبعدها تحتاج لخمس دقائق لرفع الصور على "الانستغرام"، ثم ما بين اللقمة واللقمة يتم مراجعة عدد "اللايك" والتعليقات. والأغرب من هذا كله هو التعليقات التي تمتدح الطعام وطعمه الساحر بناءا على منظر الطبق! وهذا نوع من أنواع الفراسة التي تمتلكها النساء، وهو معرفة طعم الطبق من صورته فقط، اللهم لا حسد.

وعادة يكون التعليق المرفق مع الصورة "طلعة رومانسية مع زوجي حبيبي"!، وهو تعليق يوحي بالرومانسية، في حين أن الزوج كان مشغولا طيلة العشاء بالدردرشة مع "الربع"، وكانت هي مشغولة طيلة الوقت بالرد على التعليقات حول الصور! وربما تكون الصورة الأبلغ لذلك العشاء الرومانسي الساحر هو صورة وجه الزوج أثناء دفعه فاتورة الطعام.

انتقلت العدوى لشبابنا، فحين تطبخ الزوجة "كيكة" او حتى "طاسة محلبية"، ينزل الزوج صورتها متحمسا في "الانستغرام" متبوعة بمديح لا ينتهي، وأنا شخصيا لا أدري ما اذا كان صنع الحلويات البسيطة يعتبر "طباخا" بمقاييس أهل الخليج؟ ولا أدري لماذا صنع الحلويات البسيطة هو مهارة الطبخ الوحيدة التي تتقنها زوجات هذا الزمن! طبعا، إنزال صور أطباق الحلويات هو تقليد ينطبق على الأزواج الجدد، وهو من الواجبات الزوجية في السنة الأولى فقط من الزواج.

قبل عقدين أو ثلاثة، كان بعض الباحثين يتحدثون كيف أن الكتابات على الجدران في الأماكن العامة وحتى في أبواب الحمامات العامة هو أحد الوجوه الحقيقية لثقافة البلد، واليوم نستطيع الجزم أن ثقافة الصور وما يتم وضعه في "الانستغرام" هو في الحقيقة صورة ثقافة البلد. فهل نحن شعبٌ مهووسون لهذا الحد بالأكل؟ وإذا كنا فعلاً نجلس على المائدة بهدوء ونزين الطعام ونستمتع به لهذا الحد، لماذا لا تتم جلسات التصوير "الانستغرامية" إلا في المطاعم؟ولماذا لا يزال الكثير منا يأكلون من "الصفرية" مباشرة؟ أم أن الموضوع ليس أكثر من هوس وموضة؟

أحيانا أتسائل عن هذا الكم الهائل من الصور التي رفعناها على "الانستغرام" وعن مستقبلها؟ هل ستذهب لمقبرة النسيان تماماً كما حدث مع الكثيرين وصورهم في "الفيس بوك" والتي نسوها في غمرة الهوس الجماعي؟ ومن يريد تذكر طبق الطعام الذي أكله في "ويك إند" في مطعم ما؟ ربما حين يشيخ هذا الجيل، ويصبح لدينا أحفاد، سيجلس الواحد منا ليُري أحفاده صور أطباق الطعام، ولكن بماذا سنحدث أحفادنا عن هذه الصور؟

 

تعليقات

‏قال Unknown
فكرة الانستغرام جيدة نوعا ما ... و لكن سوء الاستخدام ... بإختصار الناس يبدون ما يخفونة .. فصورة لمطعم او شموع او جلسة رومانسية .. ربما حدثت بعد مشاجرات عديدة .. مما اضطر للزوج اسكاتها بهذة الطلعة .. او صورة لطبق هي في الاساس لا تعلم مكوناته فأمها او عمتها او كائن من كان من اعده يستحق هو الاطراء و ليس من وضع الصورة في برنامج اجتماعي .. و لكن في الجانب الآخر .. معظم من يستخدم البرنامج التقي بأصدقاء لم يرهم من فترة طويلة و تواصل معهم اجتماعيا ..

الفيس بوووك الوحيد الذي استطعت ان احفظ فية صور صغيرتي و معاناتي معها لان جهازي الخاص تعطل و انمسح كل شي ..

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوميديا دانتية و"لمبو" برائحة الكذب

* مقال نشرته 2005 صدرت للمرة الأولى الترجمة العربية الشعرية الكاملة لكتاب الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالي دانتي الليغييري عن منشورات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" في باريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ونفذ الترجمة الشاعر والناقد العراقي-الفرنسي الجنسية- كاظم جهاد عن النص الأصلي الإيطالي وعن العديد من الترجمات الفرنسية لنص الكوميديا الإلهية المؤلف من 14233 بيتا شعريا موزعا على مقاطع ثلاثية ومجموعة في 100 نشيد قسمت إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم والمطهر والجنة. وألحقت الترجمة بمئات الحواشي والشروح، كما ضمت مقدمة طويلة للمترجم تعتبر دراسة مستقلة بحد ذاتها.ويشدد كاظم جهاد في مقدمته على أن العالم العربي والإسلامي ليسا غريبين على الكوميديا الإلهية حتى وإن كان دانتي ينتمي للديانة المسيحية. ويشير إلى أنه كثيرا ما جرى ذكر التأثير العربي في الكوميديا الإلهية كما ينقل عن المؤرخين ذكرهم تردد دانتي على حلقة دراسات لتلامذة الفيلسوف ابن رشد. ويتجه أليكسي جورافسكي في كتابه (الإسلام والمسيحية) للحديث عن تأثير الإسلام في أوروبا ف...

أدبيات التغيير ... ثنائية العربة والحصان

* مقال نشرته في يونيو ٢٠٠٥ الحديث عن التغيير أحيانا كثيرة لا يكون سوى تغييرا للحديث، لأننا تعودنا الرتابة في حياتنا وفي أشياء كثيرة مما نفعل، ترانا أحيانا ما نلجأ للحديث عن التغيير وضرورته وآلياته واستراتيجياته دون أن نتغير نحن، بل ونستمر في الحديث دون أن يتغير أي شيء .  تغص مجتمعاتنا على امتداد أيام وحقب بالكثير من الحديث والشعارات حول ضرورة التغيير وحول الوعود ثم الوعود بالتغيير، وحين تغص حناجر البسطاء بكل سفاسف الكلام، وحين تصل المجتمعات حدّ التخمة، تبدأ شرارات الانفجار بالاشتعال، وبذور الثورة بالنمو لنفرغ عبرها كل أحلام التغيير ونصب عبرها كل حمم السخط من الواقع الرتيب والمعاش، بكثير من اللاوعي بل وقد يجذبنا التيار نحو مراسي الشوفينية لنبدأ بالانغلاق والانكفاء على الذات من جديد، لتبدأ بعدها عوامل الهرم والتكلس الفكري بفرض رتابة جديدة، وهكذا تبدأ الدورة لتعود من جديد .  تصاحب عادة حركات التغيير جرعة من الأدبيات التي تجيء متوائمة مع كل الوعود بالتغيير بل وتدفع بالناس للحلم بما هو أبعد من ذلك، في علاقة هي أشبه بعلاقة العربة والحصان، فكثيرا ما تجد الثورة حصانا جامحا يجر من...

"البحرين تقرأ ألف كتاب" .. تدشين مبادرة بحرينية للعام 2016 للتحريض على القراءة

القراءة هي الرئة الثالثة التي نتنفس بها، وهي الصندوق السحري الذي يهرّب لنا أعمار الأخرين فنكبر دون دورة عقرب واحدة، تحرّض فينا الإبداع والإلهام وتسافر بنا لعوالم أخرى دون الحاجة لتأشيرة أو تذكرة سفر. ومع ولادة العام الجديد، تولد أحلام وطموحات وتحديات جديدة، فكل بداية تحمل في ذاتها قيمة إيجابية، خصوصا إذا كانت تأسيسا لمبادرة تنشر حب القراءة والإطلاع، وهذا ما كان في دار فراديس. حيث احتضنت دار فراديس مساء الأربعاء مبادرة "البحرين تقرأ ألف كتاب" وهي مبادرة شبابية مستقلة تهدف لنشر القراءة كفعل يومي، عبر مجموعة من المتطوعين لقراءة ألف كتاب. واختارت المبادرة موقع Goodreads  لتوثيق هذه التجربة، وللقرّاء حرية اختيار عناوين الكتب أو عدد الكتب التي يريدون قرائتها. وبيّن يوسف الزيرة في كلمته الافتتاحية خلال تدشين المبادرة أن الأهم هو أن تتفوق على نفسك كقارئ ومن ثمّ أن نتفوق على أنفسنا كمجتع، فالمبادرة تضع الألف كتاب كرقم رمزي، فالمجتمع البحريني يقرأ بالتأكيد وقد تخطى الألف كتاب بكثير ربما، ولكننا بحاجة لتعزيز هذه الممارسة وجعلها فعلا يوميا يمكن رؤيته في طوابير الانتظار أو الحدا...