التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حرب الإشاعات

 

الاشاعات أو القيل والقال هي لغو الحديث في الشؤون الشخصية والخاصة للآخرين. وهي واحدة من أقدم الوسائلوأكثرها شيوعا لتبادل الحقائق ووجهات النظر، بل وتبادل الافتراء أيضا. ويستخدم هذا المصطلح، الذي تغيرت دلالته مع مرور الزمن، للدلالة على التزييف وتهريب الأخطاء ضمن المعلومات المرسلة عن شخص أو شيء ما، ويصف هذا المصطلح دردشة الخمول، أو الدردشات التي ننخرط فيها بأقل مجهود ذهني دون تشغيل مرشحات المنطق في عقولنا، كحال أغلب حوارات المجالس، فحتى إن بدت كصراع ديوك فإنها تظل دردشة خمول لا يكلّف الدخول فيها غير حنجرة مرهفة وحد يسير من التفكير دون عناء القلق المعرفي وصراعات المنطق والفكر.


وبعيدا عن النص الديني، حيث تدعو الشريعة للتحقق الدقيق من كل إشاعة خوف الوقع في الغيبة، فإنه يجرى دراسة وبحث الإشاعات من حيث أصولها وتطورها في سياق علم النفس. وتاريخيا وجدت الدراسات أن الشائعات وسيلة هامة من خلالها يمكن لفئة من الناس فرض نسق تفكير وسلوك معين تكون الشائعات مصير من يخرف أو يتخلف عنه، وبهذا تخلق تناغما اجتماعيا ولو بطريق غير مباشر،ما خلق من "التبادل الاجتماعي"، والمقصود من التبادل الاجتماعي هو المعاملة بالمثل ولو بطريق غير مباشر، فأنا أساعدك اليوم بتصديق ونشر إشاعتك، ويوما ما ستساعدني وتعاملني بالمثل. و يقول دنبار روبن، وهو عالم أحياء تطوري، إن الإشاعات أحيانا تكون صمغا مهما لربط المجتمع. وفي عصر الإنترنت وتويتر فإن الإشاعات تنتشر بسرعة البرق خالقة مزاجا اجتماعيا يصعب التنبؤ، فإشاعة عن حادثة ما تستنفر شريحة هائلة من المجتمع حتى قبل إخضاعها للمنطق والعقل.

ليست الإشاعات بالضرورة مخلوقات بنوايا خبيثه، فثمة إشاعات بتأثير ايجابي، ولكن أغلب الإشاعات اليوم أصبحتوسائل لنشر الأوساخ والتضليل ونشر الفضائح. فمثلا، بعض الصحف تضح بإعمدة وأخبار الشائعات التي تتحدث عن الحياة الاجتماعية والشخصية والآراء السياسية لمجموعة من المجمتع بطريقة الإشاعات، فتنقل أو تصنع الشائعات من أجل الطعن في الآخر مستندة للمزاج العام للحقل الذي تخرج منه. فحقلها الاجتماعي يتقبل هكذا إشاعات فتزيد من ترابطه، وفي نفس الوقت تستنقص من الآخر فيتوهم الكاتب أو الصحفي أنها أضعفت الآخر.

تم تطوير الاشاعات لتصبح ساحة للحرب بين المتنافسين أو المنقسمين، فبرز مفهوم "حرب الإشاعات" كوسيلة أساسية من وسائل الحرب النفسية، وتعد الشائعة من أشد الاسلحة تدميراً فهي تستهدف الروح المعنوية التي هي أساس إرادة القتال وركيزة الأمن والاستقرار. كل ما تحتاجه الإشاعة في وقتنا هو مقطع في اليوتيوب أو تغريدة في تويتر، فثمة آلاف من المتلقين العطاشى لهكذا إشاعات. مقطع في يوتيوب لمجهول يذبح مجهولا يمكن نشره تحت مئات العناوين، أصبح سببا كافيا للبدء في حملة لنصرة المقتول المجهول بعد خلق إشاعات أخرى حوله، فهو رجل طيب بريء من طائفة ما، قتله رجل شرير من طائفة أخرى، وتبدأ طاحونة الموت في الدوران، ويتم استنزاف بلد بأكمله في طواحين تتوالد في كافة مواقع التواصل الاجتماعية.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوميديا دانتية و"لمبو" برائحة الكذب

* مقال نشرته 2005 صدرت للمرة الأولى الترجمة العربية الشعرية الكاملة لكتاب الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالي دانتي الليغييري عن منشورات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" في باريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ونفذ الترجمة الشاعر والناقد العراقي-الفرنسي الجنسية- كاظم جهاد عن النص الأصلي الإيطالي وعن العديد من الترجمات الفرنسية لنص الكوميديا الإلهية المؤلف من 14233 بيتا شعريا موزعا على مقاطع ثلاثية ومجموعة في 100 نشيد قسمت إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم والمطهر والجنة. وألحقت الترجمة بمئات الحواشي والشروح، كما ضمت مقدمة طويلة للمترجم تعتبر دراسة مستقلة بحد ذاتها.ويشدد كاظم جهاد في مقدمته على أن العالم العربي والإسلامي ليسا غريبين على الكوميديا الإلهية حتى وإن كان دانتي ينتمي للديانة المسيحية. ويشير إلى أنه كثيرا ما جرى ذكر التأثير العربي في الكوميديا الإلهية كما ينقل عن المؤرخين ذكرهم تردد دانتي على حلقة دراسات لتلامذة الفيلسوف ابن رشد. ويتجه أليكسي جورافسكي في كتابه (الإسلام والمسيحية) للحديث عن تأثير الإسلام في أوروبا ف

أدبيات التغيير ... ثنائية العربة والحصان

* مقال نشرته في يونيو ٢٠٠٥ الحديث عن التغيير أحيانا كثيرة لا يكون سوى تغييرا للحديث، لأننا تعودنا الرتابة في حياتنا وفي أشياء كثيرة مما نفعل، ترانا أحيانا ما نلجأ للحديث عن التغيير وضرورته وآلياته واستراتيجياته دون أن نتغير نحن، بل ونستمر في الحديث دون أن يتغير أي شيء .  تغص مجتمعاتنا على امتداد أيام وحقب بالكثير من الحديث والشعارات حول ضرورة التغيير وحول الوعود ثم الوعود بالتغيير، وحين تغص حناجر البسطاء بكل سفاسف الكلام، وحين تصل المجتمعات حدّ التخمة، تبدأ شرارات الانفجار بالاشتعال، وبذور الثورة بالنمو لنفرغ عبرها كل أحلام التغيير ونصب عبرها كل حمم السخط من الواقع الرتيب والمعاش، بكثير من اللاوعي بل وقد يجذبنا التيار نحو مراسي الشوفينية لنبدأ بالانغلاق والانكفاء على الذات من جديد، لتبدأ بعدها عوامل الهرم والتكلس الفكري بفرض رتابة جديدة، وهكذا تبدأ الدورة لتعود من جديد .  تصاحب عادة حركات التغيير جرعة من الأدبيات التي تجيء متوائمة مع كل الوعود بالتغيير بل وتدفع بالناس للحلم بما هو أبعد من ذلك، في علاقة هي أشبه بعلاقة العربة والحصان، فكثيرا ما تجد الثورة حصانا جامحا يجر من وراءه كل

هكذا قرأت أمريكا

* كتبت هذا المقال في مارس ٢٠٠٥ وقد لا اتفق مع بعض تفاصيله الآن لكن أورده كما هو ....  حين قررت الذهاب في دورة مكثفة لدراسة ما يسمى ( بأمريكا ) لم أكن أعرف نهاية الطريق في هذه الرحلة ، و حاولت جاهدا و أنا أسمح لمركبي أن يمشي مع التيار أحيانا أن لا أفقد الاحساس بالاتجهاهات ، و حين أدعي أني كالبوصلة المفتوحة على جميع الاتجهاهات فهذا يعني أن عقلي معطل ، فالبوصلة التي تشير لكل الاتجهات بوصلة معطلة . هي محاولة للقراءة في شيء معقد و فعل القراءة هو أسمى فعل بشري .  ( اقرأ ) ، كانت أول كلمة تفوه بها الوحي و ظلت ترن في أطراف الجزيرة العربية منذ قيلت لليوم، و سبحان الله فكأنما كانت أول كلمة يتنزل بها الوحي تعطي مفاتيح الدنيا لمن يفتح قلبه و عقله لها . فمن لا يقرأ ليس حيا في هذه الدنيا ، و من لا يقرأ ليس مسلما حتى ، و كيف يكون مسلما وهو يعصي الله ( عز و جل ) في أول أمر يبلغه نبيه ؟ ثم ألا يستوعب الإنسان مقام هذا الأمر الإلهي حتى يستفتح به الله كلامه في أعظم معجزة و لأعظم بشر عرفه التأريخ ؟ و من هو في عظمة محمد ( ص ) يسشترف مسيرة النبوة الخاتمة باستقبال أول تكليف من رب العزة ( بالقراءة ) ، و