التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حكاية قرية

1

أشباح أجسادٍ مكدّسةٍ

تغصّ بجوعها عند المساء،

والدرب أطولُ من عناءْ،

شيءٌ من الأعماق يدفعها لتوغل في الألم

شيٌء يجيء من العدم،

أضواءها يتزاحم الأطفال فيها

حيث يجتمع الكهول

نفس الحكاية والفصول

عن فارسٍ في النخل يخرج في المساء

يهدي الثمار إلى الحقول

ويحارب الفقر المكدس في القرى

ويطارد الأحزان في عين النساء،

كل الذين رأوه في الليل اختفوا

البعض قال بأنهم أمسوا سنابل في الحقول

البعض قال بأنهم متكدسون،

هناك في قلب الوحول

والسحر عنهم لن يزول

والجالسون من الصغار تجمدت أطرافهم

خفقانهم كعواء آلاف الذئاب

والبرد يرق فوق جلدهم الرقيق كما الحراب...

الفارس الموعود قاسمهم أغاني الصيف

والمقهى

وأيام العذاب..

لكنه منعته آلهة الديون من الظهور

ونفته في وجع النخيل،

وقيدته إلى الجذور...

يأتي إلى الدنيا إذا جاء المساء

يهدي الثمار إلى الحقولَ

ويطرد الأحزان من عين النساء

ومع الصباح،

يهدي إلى الناس الضياء

ويسير، يرحل في انطفاء...

2

المسجد المحشو بالأجساد غادره الهواء

وسعال شيخٍ آخر الصف ارتفع

طفل وقع

"عيبٌ عليكم، كيف نعبد في خشوع؟"

صوت يرنّ من البعيد

"عيب عليكم ... كيف نعـ..

عيبٌ عليْـ .. "

ويجيء من أعلى المصلين النداء

"يا أيها الماضون من درب العناء،

يا من لبستم كربلاء،

مات الحسين ومات كل الأوصياء

كي يزرعوا في النخل ذرة كبرياء

كي يكتبوا في الأرض أن دمائنا

ستجف، لكن خلفها تأتي الدماء

وليكتبو في القرى

أن الدروب إذا انتهي فيها الحياء

كتب الإله لها الشقاء

وتعفنت فيها البغايا والبغاء

حتى إذا بالوعد جائتهم ملائكة السماء

أمست قراهم في خواء"

3

النعش والحافين والدمع المراق

وأسى الفراق...

والواحد المسكين يحفو الرمل،

من وجع احتراق

هي لحظةٌ تهفو لها كل العيون

وينتهي فيها الشعورْ...

والناس تحفر للمغادر منزل الرمل الجديد

كفنٌ يفوح الموت منه

كأنه كهفٌ من الحمى تغشاه الجليد

والعابرون يتمتمون ويلعنون

ويرنّ صوت في البعيد

"عيبٌ عليكم .. كيف نعـْ..

عيبٌ عليـْ... "

والميْت يُطْرق في حياءْ

الآن يرحل في جروح الأرض مختنقاً

يكاد يمزّق الأكفان،

لولا الكبرياءْ...

يعدو أمام عيونه زيف السرابْ،

عُهر المدينة والضبابْ،

والليل، حيث النور في الحانات يملؤه الذبابْ

ألمٌ بطعم الرمل،

أمنيةٌ،

عقابْ...

والصوت يخرج من جروح الأرض مرتجفاً

"لا ترسلوه إلى الترابْ،

ألقوه في قيء المدينةِ

أطعموه إلى الكلابْ،

لا ترسلوه إلى الترابْ"

 

 

تعليقات

‏قال Unknown
ما زال الابداع في كتاباتك .. الي الامام دائما ..

‏قال Unknown
ما زال الابداع في كتاباتك .. الي الامام دائما ..

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوميديا دانتية و"لمبو" برائحة الكذب

* مقال نشرته 2005 صدرت للمرة الأولى الترجمة العربية الشعرية الكاملة لكتاب الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالي دانتي الليغييري عن منشورات المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" في باريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ونفذ الترجمة الشاعر والناقد العراقي-الفرنسي الجنسية- كاظم جهاد عن النص الأصلي الإيطالي وعن العديد من الترجمات الفرنسية لنص الكوميديا الإلهية المؤلف من 14233 بيتا شعريا موزعا على مقاطع ثلاثية ومجموعة في 100 نشيد قسمت إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم والمطهر والجنة. وألحقت الترجمة بمئات الحواشي والشروح، كما ضمت مقدمة طويلة للمترجم تعتبر دراسة مستقلة بحد ذاتها.ويشدد كاظم جهاد في مقدمته على أن العالم العربي والإسلامي ليسا غريبين على الكوميديا الإلهية حتى وإن كان دانتي ينتمي للديانة المسيحية. ويشير إلى أنه كثيرا ما جرى ذكر التأثير العربي في الكوميديا الإلهية كما ينقل عن المؤرخين ذكرهم تردد دانتي على حلقة دراسات لتلامذة الفيلسوف ابن رشد. ويتجه أليكسي جورافسكي في كتابه (الإسلام والمسيحية) للحديث عن تأثير الإسلام في أوروبا ف

أدبيات التغيير ... ثنائية العربة والحصان

* مقال نشرته في يونيو ٢٠٠٥ الحديث عن التغيير أحيانا كثيرة لا يكون سوى تغييرا للحديث، لأننا تعودنا الرتابة في حياتنا وفي أشياء كثيرة مما نفعل، ترانا أحيانا ما نلجأ للحديث عن التغيير وضرورته وآلياته واستراتيجياته دون أن نتغير نحن، بل ونستمر في الحديث دون أن يتغير أي شيء .  تغص مجتمعاتنا على امتداد أيام وحقب بالكثير من الحديث والشعارات حول ضرورة التغيير وحول الوعود ثم الوعود بالتغيير، وحين تغص حناجر البسطاء بكل سفاسف الكلام، وحين تصل المجتمعات حدّ التخمة، تبدأ شرارات الانفجار بالاشتعال، وبذور الثورة بالنمو لنفرغ عبرها كل أحلام التغيير ونصب عبرها كل حمم السخط من الواقع الرتيب والمعاش، بكثير من اللاوعي بل وقد يجذبنا التيار نحو مراسي الشوفينية لنبدأ بالانغلاق والانكفاء على الذات من جديد، لتبدأ بعدها عوامل الهرم والتكلس الفكري بفرض رتابة جديدة، وهكذا تبدأ الدورة لتعود من جديد .  تصاحب عادة حركات التغيير جرعة من الأدبيات التي تجيء متوائمة مع كل الوعود بالتغيير بل وتدفع بالناس للحلم بما هو أبعد من ذلك، في علاقة هي أشبه بعلاقة العربة والحصان، فكثيرا ما تجد الثورة حصانا جامحا يجر من وراءه كل

هكذا قرأت أمريكا

* كتبت هذا المقال في مارس ٢٠٠٥ وقد لا اتفق مع بعض تفاصيله الآن لكن أورده كما هو ....  حين قررت الذهاب في دورة مكثفة لدراسة ما يسمى ( بأمريكا ) لم أكن أعرف نهاية الطريق في هذه الرحلة ، و حاولت جاهدا و أنا أسمح لمركبي أن يمشي مع التيار أحيانا أن لا أفقد الاحساس بالاتجهاهات ، و حين أدعي أني كالبوصلة المفتوحة على جميع الاتجهاهات فهذا يعني أن عقلي معطل ، فالبوصلة التي تشير لكل الاتجهات بوصلة معطلة . هي محاولة للقراءة في شيء معقد و فعل القراءة هو أسمى فعل بشري .  ( اقرأ ) ، كانت أول كلمة تفوه بها الوحي و ظلت ترن في أطراف الجزيرة العربية منذ قيلت لليوم، و سبحان الله فكأنما كانت أول كلمة يتنزل بها الوحي تعطي مفاتيح الدنيا لمن يفتح قلبه و عقله لها . فمن لا يقرأ ليس حيا في هذه الدنيا ، و من لا يقرأ ليس مسلما حتى ، و كيف يكون مسلما وهو يعصي الله ( عز و جل ) في أول أمر يبلغه نبيه ؟ ثم ألا يستوعب الإنسان مقام هذا الأمر الإلهي حتى يستفتح به الله كلامه في أعظم معجزة و لأعظم بشر عرفه التأريخ ؟ و من هو في عظمة محمد ( ص ) يسشترف مسيرة النبوة الخاتمة باستقبال أول تكليف من رب العزة ( بالقراءة ) ، و